! بقلم… هاجر ابو شعيشع
أنا الآنَ في طَورٍ جديد في مرحلةِ تخليق يتلاشى الإنسانُ الذي كُنتُه شيئًا فشيئًا تمامًا مثلَ بُقعةِ ماءٍ تُركتْ تحتَ الشّمس فراحتْ تجفّ وفي أثناءِ ذلك يتكثَّفُ داخلي بحرٌ هو أنا (هل سمعتُمْ من قبلُ عن بحرٍ نشأ عن طريقِ التّكثيف؟) يتشكَّلُ فيَّ إنسانٌ جديد يُشبِهُ القديمَ بعضَ الشيءِ ولا يُشبِهُه إطلاقًا إنسانٌ غريب، وجميلٌ في نفسِ الوقت (كونُه يرى نفسَه جميلًا يعني أنَّه فعلًا جميلٌ رغمَ أنفِ العالَم) إنسانٌ لم يعُدْ يحزنُه شيءٌ خارجَه ويعرفُ كيفَ يُحوِّلُ غضبَه إلى قصائد ويغزلُ أصواتَ أحبابِه الغائبين مِعطفًا من صوفٍ كشميريّ ويُحوِّلُ أفراحَه إلى أُغنيات ويُدندنُ أشواقَه للأماكن إنسانٌ يعرفُ كيف يُوقفُ العالَمَ عندَ حدِّه ولا يعرفُ العالَمُ له حدًّا ليُوقفَه عندَه! إنسانٌ لم تعدْ تَخِزُ رأسَه الذكريات وأفلحَ في استئناسِ خيباتِه القديمة ولم يزلْ يعتنقُ الدهشةَ والارتباكَ والبسمةَ الخجولة إنسانٌ يتصاعدُ من مَسحوقِ إنسانٍ قديمٍ مُذابٍ في الكثيرِ من الدموعِ والكثيرِ من الضَّحكِ الهازئِ بالحياة هذا الإنسانُ يُدهشُني -وأنا أُحبُّ أن أندهش، أعشقُ أن أندهش- يجعلُني أفتحُ فمي وأشهقُ كطفلٍ صغيرٍ يرى طائرتَه الورقيّةَ تُحلِّقُ أعلى بكثير ممّا ظنّ أنها تقدرُ إنَّني أُتابعُ تكويني الجديدَ بسرورٍ وانتشاء أٌوشوشُ نفسي أثناءَ المُشاهدة: “يا إلهَ الكون! هذا يعني أنِّي بصددِ أن أُنكِّلَ بالعالم وأن أصيرَ أشدَّ خطورةً ممّا أنا عليه الآن لن أصيرَ هاجرَ البنتَ الأختَ المُعلمةَ الكاتبةَ الزوجةَ الأُمَّ فحسب بل سأُصبحُ مُجرمةَ حربٍ في هذا كُلِّه يا إلهي! كم راقَ لي أن أكونَ مُجرمةَ حرب”!